ينعقد في العاصمة السودانية هذه الأيام مؤتمر فكري تهم القضايا المثارة فيه كل العاملين والمهتمين بقضايا الحكم وأنواعه في كل البلدان العربية والإسلامية بلا استثناء. إنه (مؤتمر الشريعة والاجتهاد ـ التجربة السودانية) والمشاركون فيه نفر من قادة الفكر تجمعوا من كثير من البلدان.
ولما كان نظام الحكم الحالي في السودان قد مكث يدير أمر السودان لنحو 15 عاماً، ولما كان منهجه الذي أعلنه منذ استيلائه على السلطة هو اتباع الشريعة الإسلامية فإن تجربته لابد أن تكون زاخرة بما يستحق الدراسة والتأمل.
لقد خاطب رئيس جمهورية السودان هذا المؤتمر فقال إن تجربة تطبيق الشريعة في السودان غير مبرأة من الأخطاء ولكن ذلك لا يعني الفشل. ثم قال إنهم ماضون في مواصلة تطبيق الشريعة بوصفها خياراً لا بديل له. أما عن الديمقراطية فقد وصفها سيادته بأنها نمط من أنماط الشورى التي تأمر بها الشريعة الإسلامية.
إن هذا المؤتمر وحسب طبيعته لن ينتهي بإصدار قرارات بعينها ولكنه سيناقش ويتلمس مواطن القوة والضعف في التجربة السودانية. وهنا يقفز التساؤل المشروع: هل سيكون الجدل في هذا اللقاء فكريا مطلقاً وبعيداً عن الواقع أم أن المتداولين سيحاولون أولاً دراسة آثار التطبيق بصورة عملية ووفق الواقع؟
وللرد على هذا التساؤل فإن كثيرين من أهل الرأي في السودان وخارجه يتحدثون عن أن الأخطاء في التجربة السودانية أكثر من النجاحات، بل إن بعض أولئك يرى أن بعض أوجه التطبيق التي مورست في السودان قد تكون أدعى للتنفير من تطبيق الشريعة وليس التحبيب فيها وذلك أمر بالغ الضرر بالنسبة لمن يتطلعون لتطبيق الشريعة السمحاء في بلادهم.
إن أصحاب هذا الرأي يشيرون إلى النظر في أحوال السودان عامة قبل وبعد السنوات الخمسة عشرة ويرون أن الوضع العام للمسلمين في السودان تردى وتراجع في كثير من أوجه الحياة الاقتصادية والمعيشية والخدمية والسياسية وغيرها. والأمثلة على ذلك كثيرة متعددة. وقد يكفي القول إن تطبيق الشريعة في السودان حمل أكثر مما يحتمل وغير ما يحتمل يوم أن جعل نظام الحكم القائم الحرب الأهلية في جنوب السودان ذات طابع إسلامي جهادي ووصفها بأنها حرب بين دار الإسلام (الشمال) ودار الكفر (الجنوب). وأدى ذلك التحول إلى وضع جديد كانت نتيجته فتح الباب للتدخل الأجنبي وقويت وتدعمت احتمالات انفصال الجنوب عن الشمال.
إن دراسة تجربة السودان في تطبيق الشريعة الإسلامية لن تكفي للوصول إلى قاع الحقيقة في مؤتمر ينعقد ليومين أو ثلاثة وبمشاركة عدد محدد من أهل الرأي المؤيدين للتجربة أو المعارضين. إنها قضية تحتاج إلى بحث متأن صبور يطلع على واقع التجربة في كل أشكالها، وبعدئذ يصدر الحكم.